نعم. الاستثمار الجيد هو ذلك الذي يشعرك بالملل وليس الذي تستمتع به.
هذه المعلومة كانت من أوائل المعلومات التي تلقيتها من أساطين الاستثمار (وخصوصا مستثمري القيمة) في بداية مشواري في عالم إدارة الأموال الشخصية. وملخص الفكرة أن الأسلوب الاستثماري الأمثل هو ذلك المبني على الدراسة المتأنية للشركات قبل الاستثمار بها وتحليلها على أسس سليمة وواقعية، ومن ثم الاستثمار فيها بأرخص الأسعار وعلى فترات طويلة جدا. وبالتالي فإن هذا النهج الاستثماري من شأنه أن يبعث الملل في نفوس منتهجيه، ويجعل عملية الاستثمار عملية آلية بحتة لا متعة فيها ولا عاطفة.
في المقابل، فإن العديد من الأساليب الاستثمارية التي تعتمد على السرعة في اتخاذ القرارات والاستثمار على المدى القصير، فإنها مدعاة للاستمتاع والإثارة، ولكنها بطبيعة الحال ليست الأنسب لعموم المستثمرين من الأفراد، فهي مبنية على العاطفة وأبعد ما تكون عن المنطقية والواقعية في التحليل.
هذا الأمر يمكن ملاحظته على أرض الواقع من خلال التحاور مع بعض صغار المستثمرين الباحثين عن “الإثارة” في الاستثمار. فتجدهم تارة يتجهون للمضاربة في الأسهم مثلا، والتي تزودهم بتدفقات لا نهائية من هرمون الأدرينالين كلما صعدت البورصة أو هبطت. كما تجدهم في تارة أخرى يتحينون الفرص التي يعتقدون أنها “فرص لا تعوض” وأنها تُعرض عليهم لأنهم “مميزون” بصورة أو بأخرى. وبالتالي فإنهم يستثمرون بناء على العاطفة لا العقل. ويضعون رهاناتهم على أن الاستثمار لا بد له أن يكون ممتازا ما دام مثيرا وشائقا. ولكن للأسف، بمجرد تعرضهم للخسارة تلو الأخرى فإنهم يتدثرون بالأعذار الواهية والمعتادة كـ (البورصة للأغنياء وليس لنا، هناك من يتلاعب بأسعار الأسهم ونحن غافلون، الاستثمار بالأسهم لا يصلح في بلداننا العربية ..إلخ).
من يرغب بالاستثمار فعليه بالاستعداد الجيد والتعرف على النهج السليم لفعل ذلك. ويجب عليه كذلك تقبل أن الاستثمار يتطلب وقتا وصبرا وقناعة قد لا يطيقها العديد من الأشخاص، ولكن هذا هو شأن المتميزين في هذه الحياة، فلا نجاح بلا تعب وجهد وصبر.. والقليل من الملل.